علاج جديد مبنى على الخلايا الجذعية يؤدي لتحسَّن حالة المصابين بمرضٍ نادر لدى الأطفال

13/08/2025
غبريليوس عند بلوغه اثني عشر عاماً

في عقب مشاركتهم في أكبر تجربة سريرية من نوعها قادها أطباء من مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال (جوش - GOSH)، وجد عدد من الأطفال المصابين بحالة جلدية نادرة أن أعراضهم قد تحسنت. هذه الحالة النادرة معروفة باسم الانحلال الفقاعي الضموري المتنحي  للبشرة (آر دي إي بي - RDEB). وقد وجد الأطباء أن مستوى الأعراض لدى بعض الأطفال المصابين بهذه الحالة النادرة يتحسَّن عند حقنهم بانتظام بالخلايا الجذعية الوسيطة (إم إس سي - MSC)، والتي يطلق عليها غالبًا  اسم الخلايا الجذعية.

 

أُجريت التجربة بفضل تمويل تجاوز أربعة مليون جنيه إسترليني ونصف من قبل شراكة بين النظام الصحي الوطني في إنجلترا والمعهد الوطني لأبحاث الصحة والرعاية (نيهر - NIHR)، بالإضافة إلى تمويل من مؤسسة كيور إي بي (Cure EB) الخيرية. أشرفت وحدة أبحاث التجارب السريرية في جامعة شيفيلد على الدراسة، وتعاونت بشكل وثيق مع فريق البحث والتطوير في مستشفى جريت أورموند ستريت للأطفال.

 

ما هو الانحلال الفقاعي الضموري المتنحي للبشرة (آر دي إي بي - RDEB

 

عتد حدوث خلل في الجين الوراثي المسؤول عن إنتاج بروتين معروف باسم (الكولاجين رقم سبعة)، وهو البروتين الذي يربط طبقات الجلد معًا، يعتبر الأطفال ممن لديهم هذا الخلل مصابين بمرض الآر دي إي بي – RDEB.

 

ويعاني هولاء الأطفال حينها من تلف للجلد عند تعرضهم لأقل درجات الاحتكاك، وهو مما يؤدي عقب ذلك لظهور بثور شديدة وجروحًا عميقة وندوبًا تتراوح ما بين ذلك. وهذا بدوره يُسبِب اضطرابًا التهابيًا شديدًا يؤثر على وظائف معظم أعضاء الجسم، مع ظهور سرطان الخلايا الحرشفية غالبًا في مطلع مرحلة البلوغ، وهو نوع من سرطان الجلد يُعد السبب الأكثر شيوعًا للوفاة لدى المرضى المصابين بالآر دي إي بي - RDEB. ويوجد حالياً حوالي 150 طفلًا في المملكة المتحدة مصابين بهذا الداء الذي لا يوجد له ولا يوجد له علاج فعَّال متاح حاليًا.

 

في مستوى الرعاية الأولية ووفقاً للمعيار المعتمد حالياً، يتم التركيز على إدارة أعراض هذه الحالة. وذلك غالبًا يشمل تغيير الضمادات يوميًا، وهو أمر قد يستغرق عدة ساعات يوميًا، بالإضافة لفتح البثور، وتضميد الجروح المفتوحة، ومحاولة حماية الجلد. ثم أيضاً يجب وضع مراهم على الأعين طوال اليوم لمنع وقوع خدوش في القرنية. وكل من هذه الأساليب العلاجية مؤلمة للغاية.

 

مع مرور الوقت، تظهر مضاعفات مثل حدوث ضيق في القناة الواصلة بين الحلق والمعدة (أن يصبح المريء ضيقاً) وهذا يجعل من الضروري إجراء جراحة كبيرة للطفل تحت تأثير التخدير العام لتوسيع المريء. كما تُسبب الالتهابات الشديدة العديد من المشاكل الأخرى مثل فقر الدم وسوء التغذية وهشاشة العظام وخدوش على القرنية. ومع مرور الوقت للأسف يتفاقم الألم والحكة ولا يستجيبان جيدًا للعلاجات الحالية. ويجب على الأطفال المصابين زيارة المستشفى عدة مرات سنويًا، والخضوع لإجراءات طبية للسيطرة على أعراضهم.

 

البدء بتجربة استخدام علاج الخلايا الجذعية الوسيطة (MSC)

 

شارك عدد من الأطفال المصابين بـمرض الانحلال الفقاعي الضموري المتنحي  للبشرة (آر دي إي بي - RDEB) في تجربة من مستشفى جريت أورموند ستريت ومستشفى برمنغهام للأطفال - وهما المركزان الوطنيان المُكلَّفان لعلاج مرض انحلال البشرة الفقاعي لدى الأطفال في إنجلترا. تلقى الأطفال دفعات من الخلايا الجذعية الوسيطة المأخوذة من نسيج الحبل السري، ويسمى (كوردستروم - CORDStrom™)، يتك إنتاجه عن طريق (إنميون-بايو – InmuneBio). وقد أشارت التجارب السابقة إلى أن علاجات الخلايا الجذعية الوسيطة يمكن أن تؤدي إلى تعزيز التئام الجروح بالإضافة لتقليل الالتهاب الناتج عن الحالة وتحفِيّز عملية التجديد في الأنسجة.

 

تم تقسيم المشاركين في التجربة السريرية  إلى مجموعتين. تلقى حوالي نصف المشاركين دفعتين من الخلايا الجذعية الوسيطة، بفارق أسبوعين، ثم بعد فاصل تسعة أشهر، تلقوا دواءً وهميًا بفارق أسبوعين. تلقى النصف الآخر من المشاركين الدواء الوهمي أولاً، بفارق أسبوعين، ثم بعد فاصل تسعة أشهر، تلقوا الخلايا الجذعية الوسيطة بفارق أسبوعين. أُجريت التجربة من خلال دراسة سريرة تعرف فنياً باسم الدراسة "مزدوجة التعمية"، لا يكون فيها المرضى أو عائلاتهم أو حتى أفراد فريق البحث على دراية بموقع كل مريض في أي مجموعة من الأثنتين.بنهاية الدراسة، تم نشر النتائج الخاصة بكل من المرضى الثلاثين في الدورية الطبية المعروفة باسم (eClinicalMedicine)، وقد أظهرت النتائج التأثير الإيجابي الذي حدث في حياتهم اليومية وصحتهم، مع الانخفاض في كل من الألم والحكة.

 

إلى جانب ذلك، تم ملاحظة انخفاض في النشاط العام للمرض، وهو مما يتم قياسه بدرجات شدة ال (إي بي - EB) القياسية، بعد ثلاثة أشهر لدى الأطفال دون سن العاشرة، ولدى الأطفال المصابين بنوع متوسط من الآر دي إي بي - RDEB. كما لوحظ أيضاً انخفاض في النشاط العام للمرض بعد ستة أشهر لدى جميع الأطفال المصابين بأشد أنواع RDEB. وقد لوحظت هذه النتائج عند مقارنة نتائج العلاج الوهمي بنتائج ممن تم حقنهم بالخلايا الجذعية الوسيطة (إم أس سي - MSC).

 

وقد وُجِد أن هذه النتائج تتوافق مع النتائج النوعية للأطفال والعائلات، خاصةً التحسن الأكبر الملحوظ بعد ستة أشهر. ووُجِد أيضاً أن هذه النتائج تدعمها مقاييس نتائج أخرى مستخدمة في الدراسة، مثل مقياس (IscorEB).

قصة غابرييليوس

 

كان غابرييليوس من أوائل الأطفال الذين شاركوا في التجربة. وُلِد غابرييليوس في مستشفي محلي في داغينهام، ولاحظ الأطباء فورًا جرحًا في ساقه اليمنى، فسألوا إن كان بإمكانهم التقاط صور وإرسالها إلى مستشفى جريت أورموند ستريت لإجراء مزيد من الفحوصات. وبعد مرور أسبوعين، تم تشُخيص غابرييليوس رسميًا بالإصابة بمرض الآر دي إي بي - RDEB. وقد مكث غابرييليوس في المستشفى خلال هذين الأسبوعين وتلقت والدته جوليتا خلالهما أيضاً تعليماتٍ حول كيفية العناية بجروحه.

 

وقالت والدته، جوليتا: "كانت السنتان الأوليتان صعبتين للغاية، إذ كان علينا مراقبته باستمرار - حتى فرك عينيه كان يُسبب بثورًا مؤلمة. لم يكن يستطيع حتى إخبارنا بمدى الألم الذي كان يُعانيه أو مكانه. الآن وقد كبر في عمره قليلاً، أصبح يُدير حالته يوميًا بشكل جيد على الرغم من معاناته من ألم مستمر، وقد حظينا بدعم الفريق المُتخصص في مستشفى جريت أورموند ستريت، مع نفس الطبيب الاستشاري الذي سيبقى تحت إشرافه حتى يبلغ السادسة عشرة من عمره".

 

يتمتع غابرييليوس الذي بلغ من العمر ١٢ عامًا بروح معنوية عالية. يحب ليونيل ميسي ويتحدث ثلاث لغات، ويحتاج إلى تغيير ضماداته ثلاث مرات يوميًا، أو أكثر إذا حدثت إصابة. تمنعه حالته الصحية أيضًا من ممارسة جميع الأنشطة التي يستمتع بها أي طفل يافع بشكل عادي، مثل لعب كرة القدم.

 

قال غابرييليوس: "أردت المشاركة في التجربة لأنني كنت متحمسًا لمعرفة ما إذا كان ذلك سيساعد في تحسين حالتي، ولكي أتمكن من ممارسة المزيد من الأنشطة التي أستمتع بها، مثل لعب كرة القدم وقضاء الوقت مع أصدقائي".

 

وأضافت والدته، جوليتا، "لقد أبلى غابرييليوس بلاءً حسنًا في التجربة. التأمت جروحه بشكل أسرع، وأصبح جلده أقل احمرارًا والتهابًا. كما قلت حاجته لحك جلده حيث أصبح أقل استثارة لها. بالإضافة لذلك، أصبح نومه أقل اضطرابًا لأنه حاجته إلى تغيير ضمادات الجروح أصبحت أقل كثيرًا، وهذه فائدة بالغة."

وقالت الطبيبة آنا مارتينيز، طبيبة أمراض جلدية لدى الأطفال ورئيسة قسم الأمراض الجلدية الإكلينيكية الوطنية في مستشفى جريت أورموند ستريت والباحثة الرئيسية في هذه الدراسة: "أثبتت دراستنا أن دواء كوردستروم CORDStrom™ آمن ويمكن أن يساعد في الحد من نشاط المرض لدى بعض مرضى الآر دي إي بي RDEB. ويبدو أن إعطاء العلاج مبكرًا وعلى فترات منتظمة يقلل الحكة ويحسن التئام الجروح، مما نأمل أن يقلل الالتهاب مع مرور الوقت، ويُحسِن الحالة، وقد يقلل من خطر الإصابة بسرطان الخلايا الحرشفية في المستقبل. من الرائع أن نرى كيف تحسنت أعراض المرضى، مثل غابرييليوس، وكيف تحسنت جودة حياتهم."

 

وقد وافقت شركة إنميو-بايو INmuneBioعلى تقديم دواء كوردستروم CORDStrom™ مجانًا لدراسة مفتوحة لمدة 12 شهرًا لجميع الأطفال الذين شاركوا في التجربة.

 

وأضافت الطبيبة آنا مارتينيز: "ستتيح لنا الدراسة المفتوحة لمدة 12 شهرًا جمع المزيد من البيانات، ونأمل أن نظهر فائدة متزايدة من العلاجات المُقدمة للأطفال والشباب المصابين بـ الآر دي إي بي RDEB، لمواصلة البحث ولدعم نشر العلاج على نطاق أوسع."

 

قالت شارميلا كولينز، العضوة المؤسسة لمجلس أمناء مؤسسة كيور إي بي - Cure EB: "ظللنا نعمل على توفير حقن الخلايا الجذعية الوسيطة لجميع الأطفال المصابين بـ الآر دي إي بي RDEB في المملكة المتحدة بدءاً بتمويل التجربة الأولى، ومن خلال المساهمة في ميشن إي بي - Mission EB. نأمل أن تصبح هذه الخلايا جزءًا من الرعاية السريرية الروتينية لتخفيف المعاناة الكبيرة للأطفال المصابين بهذه الحالة".

 

يستند هذا البحث إلى عمل سابق  قم به فريق مستشفى جريت أورموند ستريت، حيث قاموا بعلاج 10 أطفال مصابين بـ الآر دي إي بي RDEBباستخدام الخلايا الجذعية الوسيطة المشتقة من نخاع العظم. وقد أظهر هذا العمل منذ ذاك الوقت أن العلاج آمن للأطفال، وفعَّال في تقليل الألم والحكة لمدة تصل إلى ستة أشهر لدى بعض المرضى. كما استشار الفريق المجموعة الاستشارية لليافعين في مستشفى جريت أورموند ستريت بشأن إعداد وثائق التجربة وتقدم الدراسة.

 

تم إجراء هذه الدراسة وقيادتها من قبل فريق الأمراض الجلدية إي بي - EB في مستشفى جريت أورموند ستريت، وبدعم من زملاء أوسع نطاقًا بما في ذلك أولئك العاملين في أقسام الصيدلة، وحوكمة الأبحاث، والتمويل، ومركز جريت أورموند ستريت للأبحاث الطبية الحيوية بالمعهد الوطني لأبحاث الصحة والرعاية وبالإضافة لفريق منشأة الأبحاث السريرية التابع لجريت أورموند ستريت بالمعهد الوطني لأبحاث الصحة والرعاية والأخير هو الموقع الذي تمت فيه عملية الحقن، مما يعتبر أيضاً مثالاً على روح الأخلاقيات التي تحكم العمل في مستشفى الأبحاث.